أين تقف إيرلندا فعلاً في لائحة الدول الغنية؟
تثير أرقام الدخل القومي خلافات كبيرة عند المقارنة الدولية. تسبب نشاط شركات متعددة الجنسيات وتداول الأصول غير الملموسة في تضخيم أرقام الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول، ما يجعل ترتيب الدول على قوائم الثروة الدوليّة مُضلِّلاً في حالات معيّنة. نستعرض هنا كيفية قراءة تلك الأرقام وكيفية تعديلها للحصول على صورة أوضح عن مستوى المعيشة في إيرلندا.
1. معضلة الاعتماد على الناتج المحلي الإجمالي
المؤشرات الدولية التي تقارن دخل الدول عادةً تعتمد على الناتج المحلي الإجمالي مقسوماً على عدد السكان، مع تعديل للاختلافات في مستويات الأسعار. في حالة إيرلندا أدى وجود شركات عالمية تسجل أرباحاً كبيرة هنا، عبر نقل حقوق ملكية فكرية وإجراءات ضريبية أخرى، إلى نفخ قيمة الناتج المحلي الإجمالي بحيث تبدو البلاد في أعلى مراتب الترتيب.
عند قياس الناتج المحلي الإجمالي للفرد، تُظهِر الأرقام أن إيرلندا تقع بين المراتب المتقدمة مقارنةً بدول الاتحاد الأوروبي والعالم، لكن هذه الصورة غير ممثلة تماماً للاقتصاد المحلي الحقيقي ولمستوى دخل غالبية السكان.
2. كيف يمكن إجراء تعديل معقول؟
لمعالجة هذا الاختلال طوِّر مقياس محلي يعدِّل بعض العناصر التي تشوّه الناتج المحلي الإجمالي، مثل أثر نقل حقوق الملكية الفكرية وأنشطة تأجير الطائرات وشركات تعيد توطين مقراتها. عند الاستعاضة بهذا المقياس المعدَّل بدل الناتج المحلي الإجمالي، ينخفض ترتيب إيرلندا مقارنة بالاتحاد الأوروبي ويصبح الفارق مع المتوسط الأوروبي أقل بكثير.
تبيّن الحسابات التقريبية أن القفزة المبالغ فيها في الناتج المحلي الإجمالي جعلت قيمة هذا المؤشر أعلى بكثير من واقع الدخل الوطني المعدل؛ ويُقدَّر الفارق بين الناتج المحلي الإجمالي وقياس الدخل المعدّل بأكثر من أربعين في المئة في أحدث التقديرات، ما يؤثر على المقارنات الدولية والمساهمات في ميزانيات مؤسسات إقليمية.
ملاحظات على توزيع الدخل
- الأرقام المعدّلة تقرّب الصورة، لكنها لا تعالج توزيع الدخل داخل البلد. وجود مجموعات ذات دخول مرتفعة مرتبط بالقطاع المتعدد الجنسيات يخفض من قابلية المتوسط ليعكس مستوى الحياة لغالبية السكان.
- أي مقياس يعتمد المتوسط يخفي تفاوتات بين فئات المجتمع، ولا يعكس بالضرورة صعوبة الإقبال على السكن لغير المقتدرين أو تفاوت فرص الدخول لسوق العمل.
3. ما الذي ننفقه فعلاً؟ مقياس الاستهلاك الفعلي
مقياس آخر مهم هو مقدار ما يُستهلك فعلاً من سلع وخدمات على صعيد الأفراد، شاملاً الإنفاق العام المباشر الذي يدعم الأسر (مثل الضمان الاجتماعي والتعليم والرعاية). هذا المقياس يوفّر تصوراً أقرب لمستوى المعيشة اليومي بالمقارنة بين دول ذات مستويات أسعار مختلفة.
عند استخدام هذا المؤشر يصبح ترتيب إيرلندا أقرب إلى المتوسط الأوروبي: تقديرات الاستهلاك الفعلي للفرد توضع عادةً عند مستوى قريب من متوسط الاتحاد الأوروبي، مع اختلافات طفيفة حسب طريقة المعالجة والافتراضات الإحصائية.
عامل آخر يؤثر في هذا المقياس هو مستوى المدخرات المرتفع لدى بعض الأسر، إذ يخفض الإنفاق الحالي ويقلل مؤشر الاستهلاك، لكنه قد يشكّل دعماً للاستهلاك مستقبلاً.
4. خلاصة واستنتاجات
من الواضح أن الاعتماد على الناتج المحلي الإجمالي وحده لإصدار حكم نهائي حول ثراء بلد ما قد يؤدي إلى استنتاجات خاطئة عندما تتدخل أنشطة شركات دولية تؤثر على الأرقام. تعديل هذه الأرقام عبر قياسات معدّلة يوفّر صورة أكثر واقعية: ترتيب إيرلندا يتراجع نسبياً مقارنة بمعدلات الاتحاد الأوروبي لكنه يبقى متقدماً عن دول عديدة.
أفكار ختامية موجزة:
- الناتج المحلي الإجمالي ظهر في السنوات الأخيرة منسحباً عن واقع الاقتصاد المحلي بسبب أنشطة شركات تسجل أرباحاً كبيرة هنا.
- التحوّل إلى مقياس الدخل المعدّل أو مقارنة الاستهلاك الفعلي يعطيان صورة أدق لمستوى المعيشة، لكن كلاهما له قيوده الخاصة.
- قد يكون الأنسب اعتماد موقع متوسط بين الدخل المعدّل ومقياس الاستهلاك لتحديد ترتيب تقريبي.
- بصرف النظر عن المتوسطات، تبقى قضايا التفاوت الاجتماعي وسكن الشباب وبيئة الخدمات العامة عناصر مهمة لا تعكسها مؤشرات الدخل وحدها.
في الإجمال، تحسّن وضع إيرلندا النسبي خلال السنوات الأخيرة مقارنةً بعام 2019 عند الاحتكام إلى مقاييس أكثر واقعية، لكن النقاش حول مدى رفاهيّة المجتمع لا يزال بحاجة إلى بيانات أعرض تشمل ثروة الأسر وتوزيع الدخل وجودة الخدمات العامة.