حزن مدى الحياة: أم تتحدث عن فقدان ابنها الذي قُتل على يد ميليشيات
صمت يختزن ألماً لا يزول
عادت فيليس بريت إلى عملها بعد أربعة أشهر من إطلاق النار الذي أودى بحياة ابنها، فالتقى بها مسؤول رفيع في خدمة الصحة وهو يقول لها ببساطة: «ظننت أنك تجاوزت الأمر». لم تجب، بل نهضت وغادرت مقصف العمل. توضح فيليس أن هذا الموقف وضوء الجهل ساعدها على الانسحاب إلى مساحة أخصها لحماية نفسها.
مرّ ربع قرن منذ وفاة ابنها الأكبر غافن، وقد تعلمت كيف تحمل ألمها بصمت ظاهر وبما تشبه المرونة، لأنها رأت أن «التعافي» لا وجود له بالمعنى المتداول، بل هناك طرق للتعايش مع الفقدان.
اختيار الصمت والقدرة على الاستمرار
تقول فيليس: «ماذا أستطيع أن أفعل؟ أنا أحمل غافن وأحمل خسارته. لا أستطيع التعمق في الأسئلة التي تجعل من خسارته حدثاً لأسرة أخرى إذا لم يحدث ذلك. هذه هي واقعي، وتعلمت كيف أعيش معه». اختارت ألا تطالب الآخرين بحمل حزنها، وأن تحافظ على إيمان شخصي رغم ابتعادها عن الممارسات الدينية التقليدية.
وتضيف أن لكل من أفراد العائلة خبرته في الحزن: «حزن كل واحد منا كان مختلفاً. لم يكن هناك مسار واحد للجميع». وتوضح أن صمتها الآن أسيء فهمه مرات كثيرة على أنه دلالة على الشفاء، بينما هو في الواقع وسيلتها للبقاء.
تفاصيل الليلة والصدمة الأولى
كان غافن في الثامنة عشرة عندما أُطلق عليه النار في 29 يوليو 2001، فيما كان ينتظر سيارة أجرة مع صديق قرب منزل العائلة. أخبرتها امرأة تعمل ممرضة عبر الهاتف أن ابنها أُصيب. عندما وصلت إلى مكان الحادث، رأت ابنها ملقى على الأرض وقد غطّته بطانية. تصف كيف كانت تعلم، قبل أن تؤكد لها الكلمات، أن غافن مات: «عرفت قبل أن أراه». قبلت وجهه وهو لا يزال دافئاً.
«كان غافن يقف بجانب صديقه بصفته إنساناً ودوداً، ودفع ثمن ذلك بأغلى ما يملك: حياته.»
بعد الحادث، واجهت العائلة صدمة انتقامية ومخاوف حول من سيكون الهدف التالي. بعد أيام فقط، اعترفت جماعة موالية بتنفيذ الواقعة، وسجلات الشرطة أربطتها بحوادث إطلاق نار متسلسلة آنذاك.
تبعات الحادث على العائلة
أثّر فقدان غافن بعمق على العائلة؛ الزوج، ميشيل، الذي يعمل مسعفاً، لم يتمكن من تقبل فقدان ابنه، وقالت فيليس إنها رأت تغيّراً جذرياً فيه. بعد سنوات نُصِب له تشخيص بالسرطان وتوفي عن عمر لا يتجاوز الحادية والخمسين. تعتقد فيليس أن الضغوط والذنب مرتبطان بتدهور صحته.
ترفض فيليس أن تلاحق ذكر مرتكبي الجريمة أو تكرار أسمائهم، قائلة إن ما فعلوه سيظل مع كل منهم في ضميره؛ أما هي فاختارت أن تركز على حياة بقيت بعد الرحيل.
عدم الرغبة في ملء ثغرات رسمية
تقول فيليس إنها لا تمتلك شهادة وفاة رسمية لابنها، بل فقط محضر التشريح، ولم تَرَ حاجة لطلب الشهادة. بالنسبة لها، لا يغيّر ذلك شيئاً في ذاكرة غافن أو في مكانه داخل الأسرة.
خلاصة
تروي قصة فيليس جانباً من واقع العائلات التي خسرت أحباءها خلال فترات عنف طائفي وسياسي: الألم المستمر، الطرق المختلفة للتعامل مع الحزن، والإصرار على الاستمرار في الحياة اليومية رغم الفقد. تبقى شهادتها تذكيراً بأن «التعافي» قد لا يكون كلمة ملائمة لكل من يعايش الفقدان العميق، وأن الصمت قد يكون شكلاً من أشكال المقاومة للبقاء.